تتناول هذه المقالة للكاتب محمود حسن قضية نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تبرز كأحد أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وتفرض القضية نفسها على الأجندتين الإقليمية والدولية في ظل استمرار انتهاكات جيش الاحتلال للاتفاق، إذ رصد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة نحو 80 خرقًا أسفر عن مقتل 97 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 230 آخرين منذ بدء الهدنة. ويهدد هذا الملف الهشّ بتفجير الاتفاق القائم أو بإعادة الأوضاع إلى نقطة الصفر مجددًا.

ينشر موقع ميدل إيست مونيتور أن بعض الأوساط الإسرائيلية والغربية والعربية تبالغ في تقدير القدرات العسكرية لحماس. فترسانة الحركة تفتقر إلى الطائرات المقاتلة والدبابات والصواريخ بعيدة المدى والأسلحة الذكية التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي. وتعتمد الحركة على صواريخ قصيرة المدى وطائرات شراعية وطائرات مسيّرة محلية الصنع، إضافة إلى نظام دفاع جوي بدائي وأسلحة قديمة أعادت فرقها الهندسية تطويرها.

ويؤكد الخبير العسكري المصري اللواء سمير راغب أن حماس تصنع أسلحتها باستخدام معادن بسيطة وألياف زجاجية ومحركات مأخوذة من دراجات نارية أو قطع سيارات سمحت إسرائيل بدخولها إلى غزة، إلى جانب أجهزة توجيه بعضها مأخوذ من ألعاب أطفال، وفق ما ذكره في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية.

استنزفت كتائب القسام خلال العامين الماضيين معظم مخزونها من الصواريخ بعدما أطلقت أكثر من 5 آلاف صاروخ في عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، لكن مخزونها تراجع لاحقًا بشكل كبير مع انخفاض وتيرة الإطلاق إلى بضع صواريخ فقط في كل مرة. وأضعف الحصار المشدد والدمار الواسع الذي أصاب أكثر من 90 في المئة من البنية التحتية في غزة قدرة الحركة على التصنيع العسكري، ما أجبرها على إعادة تدوير بقايا الأسلحة الإسرائيلية غير المنفجرة وقطع الدبابات والآليات المدمرة كمصدر بديل للمواد الخام.

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن المرحلة الثانية من الاتفاق بدأت وأن حماس ستتخلى عن أسلحتها، مهددًا باستخدام القوة إن رفضت. غير أن إدارته لم توضح بعد آلية نزع السلاح، ولا كيفية تحديد مواقع الترسانة أو إجبار الفصائل الفلسطينية الأخرى على الامتثال. ويرى مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق مايكل فايڤل أن القول بنزع سلاح حماس أسهل كثيرًا من تنفيذه، خاصة مع تكرار الخروقات الإسرائيلية التي تُضعف ثقة الحركة في أي التزام سياسي.

قدّمت أطراف أوروبية وثيقة تقترح تمويل خبرات فنية لنزع السلاح في غزة وإعادة نشر بعثة مراقبة أوروبية عند معبر رفح وتدريب قوة شرطة فلسطينية. أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر فاستشهد بتجربة بلاده مع الجيش الجمهوري الإيرلندي في اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998، غير أن محللين أكدوا أن نموذج بلفاست لا ينطبق على غزة، إذ تُستبعد حماس من العملية السياسية بينما تُطالب بالتخلي عن سلاحها دون مقابل سياسي.

تداولت دوائر مصرية مقترحًا يقضي بأن تتولى القاهرة الإشراف على عملية نزع السلاح أو استلام الأسلحة عبر لجنة مستقلة. إلا أن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان صرّح لقناة “العربية” بأن الحركة وافقت على “تجميد السلاح” بدلاً من تسليمه، في إطار هدنة طويلة قد تمتد لعشر سنوات، على أن تتولى لجنة مصرية أو عربية أو فلسطينية-مصرية الإشراف على ذلك دون أن يُسلَّم السلاح لإسرائيل أو الولايات المتحدة.

ويشير المحلل السياسي المصري محمد جمال إلى أن تسليم السلاح بالكامل غير واقعي، لكن الحركة قد توافق على التخلي عن الأسلحة الثقيلة الهجومية مع الاحتفاظ بالأسلحة الدفاعية التي تراها ضرورية لحماية الأراضي المحتلة، وهو موقف تشاركه فيه فصائل فلسطينية أخرى.

تجد حماس نفسها الآن محاصرة بين ضغوط أمريكية وأوروبية وعربية وتهديدات إسرائيلية باستئناف الحرب إن رفضت، لكن قياديًا في الحركة قال لوكالة “فرانس برس” إن مسألة تسليم السلاح “غير مطروحة للنقاش إطلاقًا”. ومع ذلك، عبّر موسى أبو مرزوق في تصريح لقناة الجزيرة عن استعداد الحركة لتسليم سلاحها “في اليوم الذي تُقام فيه دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة.”

قد تلجأ الحركة إلى المناورة بتسليم جزء من أسلحتها لإرضاء واشنطن أو بنقل بعضها إلى فصيل آخر مثل حركة الجهاد الإسلامي التي تنسق معها عسكريًا، أو بإخفاء ما تبقى من ترسانتها في أنفاق عميقة ومستودعات سرية. كما يمكن أن توافق على تسليم رمزي لبعض الأسلحة إلى قوة عربية أو أممية أو إلى حكومة فلسطينية منتخبة.

يطرح محللون احتمال أن تعود البراجماتية الأمريكية للظهور كما حدث عندما أجرت واشنطن اتصالات غير مباشرة مع حماس لإنهاء الحرب، إذ قد تكتفي الإدارة الأمريكية بإزالة الأسلحة الثقيلة فقط تحت ضغط الوسطاء، بينما تسعى إلى كبح اندفاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الراغب في نسف الهدنة.

وفي النهاية، تبقى حركة المقاومة الفلسطينية مطالَبة بتحديد مصير سلاحها، لكن السؤال الأهم الذي يطرحه المقال هو: ماذا قدّم الطرف الآخر لإقناع الضحية بالتخلي عن حقها في الدفاع عن نفسها؟

 

https://www.middleeastmonitor.com/20251021-options-before-hamas-on-the-question-of-disarmament/